دافيد أنشيلوتي.. جندي مجهول خلف والده

في إياب نصف نهائي كأس رابطة الأبطال الأوربية الموسم الماضي، وبينما كان نادي باييرن ميونيخ متقدما على غريمه ريال مدريد في قلب قلعته العريقة ملعب سانتياغو بيرنابيو بهدف لصفر، وكانت الطريق تبدو سالكة إلى المباراة النهائية، قام دافيد أنشيلوتي في الدقيقة الثمانين من مقعده خلف والده المستغرق في التفكير بحثا عن حل تكتيكي ينقذ به الأمور في الدقائق الأخيرة، وبدأ الولد يصرخ مناديا على اللاعبين الإحتياطيين الذين كانوا في طور الإحماء.. “خوسيلو، خوسيلو”.

الأب كارلو لم يعترض ولم يطلب من إبنه أي تفسير لهذا الخيار في تلك اللحظات العصيبة، وتابع قراره الذي تحمل مسؤوليته بشجاعة بإدخال قلب الهجوم خوسيلو الذي لم يكن يراهن عليه أحد، بل لم يكن يثق في جدواه سوى شخص واحد.. هو دافيد أنشيلوتي.

اللاعب الإسباني القادم معارا من نادي إسبانيول في أول كرة يعدل النتيجة، وتعود آمال جمهور الملكي في الفوز، الذي جاء في الوقت بدل الضائع عن طريق نفس اللاعب خوسيلو الذي أدخله أنشيلوتي الإبن إلى المباراة، ويتأهل ريال مدريد إلى النهائي الذي وجد فيه ناديا ألمانيا آخر إسمه بوروسيا دورتموند.

بعد مباراة النصف التاريخية ضد الباييرن، انتشرت لقطات في جل القنوات الرياضية العالمية، ووسائل التواصل الإجتماعي، تظهر كيف تصرف دافيد أنشيلوتي في اللحظة المناسبة، وكيف أنقذ والده من ورطة الهزيمة في مباراة حارقة، وتأكد للجميع حينها أن الولد يحمل جينات التدريب مثل والده، وليس في المهمة التي يشغلها أي شيء من العاطفة وامتياز القرابة وحظوة الإبن المدلل، بل ترسخ لكل متابعي كرة القدم العالمية، أن إسما ثقيلا في عالم التدريب سيفرض نفسه خلال السنوات القادمة إسمه دافيد أنشيلوتي.

 

صغير بين النجوم

ولد دافيد أنشيلوتي في 22 من يوليوز من عام 1989، العام نفسه الذي شهد تتويج والده بدوري أبطال أوروبا بوصفه لاعبا مع ميلان، ولأن أنشيلوتي الصغير كان وجه السعد على أبيه، تكرر الأمر ذاته في 1990، وحافظ ميلان على لقبه، وحقق كارلو اللقب الثاني له بوصفه لاعبا في بطولة لم يكن يعلم أنه سيصبح عرّابها باعتباره مُدرّبا أيضا.

كان ذلك مؤشرا على حب طفولي للكرة يولد مع ولادة دافيد، خاصة أنه حكى ذكرياته مع طفولته وكرة القدم، ووجوده أمام نجوم جيل يوفنتوس وميلان الذهبيين، وتعامله مع أبطال طفولته الخجولة المتيمة بكرة القدم، فرغم أنه لم يحتكّ بهم كثيرا، فإنه كان كثير المراقبة لهم عن كثب، والاستمتاع بكواليسهم، والانغماس في أجواء الكرة منذ نعومة أظافره.

 

لاعب فاشل

“لم يكن لدي الكثير من المواهب، لذلك قررت أن أدرس”.. كان دافيد أنشيلوتي، يعلم أنه لن يصبح لاعب كرة قدم أبداً، وبصفته كان أصغر مدرب مساعد في الدوري الإنكليزي، خلال تواجده مع إيفرتون بعمر 30 عاماً فقط، فقد سعى بشكل مستمر، إلى محاكاة والده الإسم الأسطوري كمدرب.

ويتمتع دافيد ببعض الخبرة كلاعب، وإن كان بمستوى أقل بكثير من والده لاعب إيطاليا الشهير، حيث بعد فترة في صفوف الشباب مع ميلان، انتقل إلى نادي بيرغامو في الدرجة الثانية بإيطاليا.

وحول هذا المشوار الكروي كلاعب، يقول أنشيلوتي الإبن في حوار سابق مع صحيفة “ديلي ميل” البريطانية: “لقد عشنا الكثير من المشاعر الطيبة ووظيفته (أنشيلوتي الأب) أعطت الكثير من السعادة للعائلة. كنت أرغب في القيام بذلك منذ أن كنت طفلاً. كل من لديه شغف يريد أن يصبح لاعب كرة قدم، لكن لم يكن لدي الكثير من المواهب”.

وتابع: “كانت هذه أول مشكلة لدي، لقد نشأت في غرف تبديل الملابس، في هذه البيئة. لذلك قررت الدراسة. أردت أن أصبح مديراً فنياً، لقد درست علوم الرياضة، وتخرجت في إيطاليا، عندما كان عمري 22 عاماً، ثم قضيت عاماً في أكاديمية باريس سان جيرمان كمدرب لياقة بدنية. قضينا عامين في مدريد، ثم عدت إلى إيطاليا، وحصلت على رخصتي الأولى، قبل أن أخوض التجربة مع بايرن ميونخ”.

وأضاف: “أكبر تجربة. عندما كان عمري من 12 إلى 18 عاماً، نشأت مع المجموعة من كبار اللعبة (باولو) مالديني وذلك في 2009، كان العام الأخير الذي أدار فيه والدي ميلان. كان مالديني يبلغ من العمر 40 عاماً، ويتدرب يومين في الأسبوع بسبب ركبتيه! لكنه تمكن من إدارة نفسه وكان أفضل لاعب في الفريق. كان لا يصدق على الإطلاق مثل رونالدو”.

 

دراسة التدريب

بدأت رحلته الأكاديمية في الجامعات ومعاهد التدريب مباشرة بعد أن تأكد في سن العشرين أن مساره كلاعب لن يكون طويلا.. حيث حصل على شهادة في علوم الرياضة، وأُشيد به في أطروحته الجامعية، قبل أن يعمل مدربا للياقة البدنية بأكاديمية باريس سان جيرمان، ثم الطاقم التقني لريال مدريد في الولاية الأولى لوالده كارلو. بعد ذلك، حصل على درجات 137 من أصل 140 قبل الحصول على الرخصة “B” من اليويفا، و13 من أصل 15 قبل حصوله على الرخصة “A” ليحتل المرتبة الأولى في فئته (9).

ثم رحل إلى بايرن ميونخ لينضم إلى الطاقم التقني مع الأب كارلو، رحلة بدأت هناك بوصفه مساعدا أول لأنشيلوتي، وليس أحد أفراد جهازه الفني فحسب. ذلك المنصب استمر مع دافيد في كل رحلات الوالد بعد ذلك، فعمل به في نابولي، ثم إيفرتون، ثم حاليا في ريال مدريد.

 

اتهامات بالمحاباة

تعرض كارلو أنشيلوتي للكثير من الانتقادات، بسبب ما يقولون عنه إنه يجامل إبنه، خصوصاً في المحطات التي كانت تسوء فيها نتائج النادي الذي يشرف عليه، لكن الإبن دافيد لم يكن يكثرت كثيرا لتلك الإدعاءات، وعمل على تطوير نفسه من خلال إتقان 5 لغات، والحصول على شهادات عالية في عالم التدريب، لكن رغم ذلك تواصلت الانتقادات التي أشارت إلى أنّ دافيد لم يكن الأكثر استحقاقاً لتلك الفرص التي حصل عليها بين كل المدربين الشباب.

وقال المدرب الشاب في مقابلة سابقة مع الموقع الرسمي لنادي بايرن ميونخ: “قد أكون صغيراً وابن المدرب، لكني أركز بشدة على عملي، حصلت على دعم المدربين أثناء التدريبات والاستعدادات للمباريات وكذلك أثناء المواجهات، اللاعبون محترفون للغاية ويظهرون لي الكثير من الاحترام”.

وفي حديثه لصحيفة “ليكيب” الفرنسية، قال كارلو أنشيلوتي: “آمل أن يكون (دافيد) مدرباً رائعاً. لا يزال أصغر من أن يتولى مسؤولية فريق، لا يزال يتعين عليه التعلم، لكن لديه القدرة. إنه يركز ويريد التحسين. نتحدث كل يوم عن التكتيكات وأسلوب اللعب وجلسات التدريب”.

 

خلف الكواليس

داخل الغرف المغلقة، لا توجد سوى إشادات بـ”أنشيلوتي جونيور” الذي يُجمِع الكل على أنه يشبه والده فيما يخص التعامل الإنساني وصداقة من حوله، الرجل يتحدث الإنجليزية والإيطالية والإسبانية والفرنسية والألمانية، أي لغات الدول الخمس التي عمل بها، لذلك كان تواصله مع الجميع سهلا.

في إيفرتون على سبيل المثال، طلب من أعضاء الجهاز الفني من غير الإنجليز تحسين لغتهم الإنجليزية حتى يكون التواصل بين الجميع أسهل. مُؤثّر، وصاحب كلمة مسموعة ولكن بلطف، تماما كأبيه.

إضافة إلى ذلك، اعتاد دافيد عقد عدد من الاجتماعات الفردية والجماعية مع الموظفين في كل الأندية التي كان فيها، وذلك بهدف توضيح الخطوط العريضة لخريطة العمل، والتعرف إلى الجميع على المستوى الشخصي.

أنشيلوتي الصغير لا يختبئ خلف والده، فهو جزء من صناعة القرار، كثير الحديث والتعليق على قرارات أبيه، يلعب كارلو دور الرئيس، ودافيد دور الجنرال، حيث يتولى مسؤولية الاستعداد للمباريات وتحليل المنافسين ووضع خطط لاستغلال نقاط ضعفهم. بالطبع إصرار كارلو على متابعة كل شيء بنفسه، ودون توكيل مساعديه بإدارة الحصص التدريبية كاملة، يسهّل عليهم الانشغال بتلك التفاصيل، والعمل أكثر على ما وراء التحليلات والأرقام.

في تقرير نشرته صحيفة ماركا الإسبانية، أكدت الصحيفة أن دافيد أنشيلوتي وبقية الطاقم التدريبي لديهم لقاءات يومية، يحللون خلالها كل ما يحدث لريال مدريد وخصومه، قبل المباريات وبعدها، وهو صاحب كلمة مسموعة فيما يخص التفاصيل الفرعية التي يتم الاتفاق عليها قبل المباريات.

إقرأ أيضا

  • الرياضة

    محمد بنشريفة مدرباً جديداً للمغرب التطواني

  • الرياضة

    منخرطو الوداد يرفضون تقليص مدة الميركاتو ويطالبون بالعدالة في البرمجة

  • الرياضة

    تعيين عمر نجحي مدربًا جديدًا للمنتخب الأولمبي الأردني

  • الرياضة

    “التايمز” البريطانية تشيد بالنجم المغربي حمزة إغمان

  • الرياضة

    أولمبياد 1992.. التظاهرة الرياضية التي غيرت وجه مدينة برشلونة

  • الرياضة

    الكاف يحدد 15 يناير موعداً لسحب قرعة الشان 2025