الرياضة

“لاماسيا”.. قصة أشهر أكاديميات كرة القدم حول العالم

كانت نتيجة الكلاسيكو الإسباني الأخير، واكتساح نادي برشلونة لمضيفه وغريمه الأزلي ريال مدريد بأربعة أهداف نظيفة في قلب ملعب سانتياغو بيرنابيو، مناسبة للحديث مجددا عن دور أكاديمية البارصا “لاماسيا” في استمرار وجود النادي الكتالوني ضمن أقوياء دوري “لاليغا” والقارة الأوربية، رغم الأزمة المالية العميقة التي يتخبط فيها النادي منذ سنوات طويلة.

أكثر من نصف تشكيلة الفريق الأول لنادي برشلونة يحتلها أبناء الأكاديمية الشهيرة، بمعدل أعمار لا يتجاوز العشرين سنة، صنع منهم المدرب الألماني هانزي فليك تشكيلة قوية صارت تأتي على الأخضر واليابس وبحصص عريضة، بعد مجيئه في بداية الموسم الحالي وإحداثه تغييرات تقنية عميقة في طريقة تدبير الفريق.

لاعبون يافعون يتمتعون بأعلى درجات النضج الكروي، وتظهر عليهم قوة ذهنية هائلة أثناء المباريات الحارقة، وتعامل ذكي مع تقلبات المواجهات بشكل يبدو أكبر من أعمارهم الصغيرة بكثير، هم نتاج فلسفة عريقة لنادي برشلونة ترتكز بالأساس على سياسة تصعيد جريئة تفتح أبواب الفريق الأول في وجه خريجي أكاديميته، وتمنحهم المسؤولية بغض النظر عن سنهم وتجربتهم، وهو ما ساهم في بروز لاعبين عظماء دخلوا تاريخ كرة القدم العالمية، أبرزهم الجيل الذهبي قبل عقد ونصف بقيادة ليونيل ميسي وتشافي هيرنانديز وأندريس إنييستا وآخرون.

نستعرض في هذا التقرير تاريخ تأسيس أكاديمية البارصا “لاماسيا”، وهيكلتها العامة، وفلسفة اشتغالها، وأبرز النجوم من اللاعبين والمؤطرين الذين صنعتهم أشهر مدارس التكوين الكروي عبر العالم.

 

مزرعة قديمة

بنيت “لاماسيا” التي تعني باللغة الكطلانية المزرعة التي تحيط بالمنزل القروي الكبير، سنة 1702 وكانت في ملكية عائلة ثرية من برشلونة اشترتها منهم إدارة البارصا في بداية الخمسينات ليتم إعادة تصميم بنايتها وتحويلها بعد افتتاح ملعب كامب نو في عام 1957، إلى مقر اجتماعي للنادي.

وفي فاتح يوليوز من عام 1978 قرر رئيس النادي آنذاك خوصي لويس نونييز بمعية مدير التكوين في النادي جاوما آمات، استخدام المبنى لأول مرة كمسكن للاعبي كرة القدم الشباب الذين كانوا يأتون من خارج مدينة برشلونة والذين كانوا يعيشون متفرقين في منازل وشقق في المدينة العملاقة، وكان ذلك بغرض حمايتهم من الإنحراف والذهاب مع مزالق الطيش التي كانت تحيط بهم من كل جانب.

واستمرت “لاماسيا” في دور إيواء الشباب والفتيان حتى عام 2011، حيث أعلن نادي برشلونة بأنه سينقل جميع أنشطته التدريبية إلى مدينة خوان غامبر الرياضية.

 

هيكلة مُحكمة

يتألف مبنى أكاديمية برشلونة من 5 طوابق واسمه الرسمي الكامل هو “La Masia – Centre de formació Oriol Tort”، ويقع في قلب المجمع التدريبي للنادي، من الداخل تبدو أكاديمية برشلونة قريبة الشبه بالمدارس الداخلية التي تتضمن سكنا لطلابها، وفيها يتعلم اللاعبون الناشؤون أساسيات كرة القدم، كما يدرسون مواد معرفية مثل الإدارة المالية والتواصل والتسويق والإدارة، خاصة بعدما أصبح لتلك المهارات أهمية كبيرة في صناعة كرة القدم الحديثة.

تضم “لاماسيا” حوالي 90 لاعبًا يتخذونها كمسكن دائم لهم، وهم يشكلون 10 بالمائة من مجموع اللاعبين من الذكور والإناث الذين تؤطرهم الأكاديمية الشهيرة يوميا، وتعد واحدة من أكبر الأكاديميات في أوروبا ميزانية تسييرية، حيث تكلف مبلغ 36 مليون أورو سنويًا.

الحد الأدنى للسن المطلوب لدخول برنامج الشباب هو ست سنوات، وفي كل عام يتم إجراء اختبار لأكثر من 1000 طفل تتراوح أعمارهم بين ستة إلى ثمانية أعوام لاختيار 200 منهم الذين سيلتحقون بالأكاديمية.

كما يسعى النادي للبحث عن المواهب التي يتنبأ لها بمُستقبل جيد وذلك عن طريق استخدام نظام يتم فيه نشر 15 من المنقبين في كاتالونيا و15 في بقية أسبانيا و10 منتشرين في جميع أنحاء العالم.

ولتقليص النفقات التي تُصرف على هؤلاء المنقبين، لدى النادي اتفاقية مع 15 ناديًا محليًا لرعاية اللاعبين الذين لا تسمح لهم ظروفهم للإلتحاق بالأكاديمية، كما أسس النادي فروعا أخرى في العديد من بلدان العالم لاستقطاب المواهب وتكوينها وإلحاقها بالأكاديمية الرئيسية في برشلونة عند بلوغ فئة الشباب.

 

فلسفة فريدة

“اللاعب الذي يمر عبر لاماسيا لديه شيء مُختلف عن البقية، إنها ميزة إضافية لا تأتي إلا من التنافس بقميص برشلونة مُنذ الطفولة”، هو تصريح للمدرب بيب غوارديولا وأحد أبناء الأكاديمية والنادي، يشير إلى “الحمض النووي” الكروي الذي يوجد في عقلية كل من يتكون داخلها، ويظهر في طريقة اللعب والوقوف في الملعب والرغبة في الفوز.

نفس النظرة يذهب إليها المدير الرياضي السابق لبرشلونة بيب سيغورا ويؤكد فيها أن نجاح النادي يتمثل في: “خلق فلسفة واحدة، عقلية واحدة، من المراحل السنية إلى الفريق الأول». وتشمل تطبيق الكرة الشاملة مع الفلسفة الاسبانية التقليدية ذات اللمسة الواحدة (تيكي تاكا) مستمد من نهج الكرة الشاملة التي مصدرها المدرسة الهولندية من خلال يوهان كرويف.

يتطلب نهج الكرة الشاملة من اللاعبين التحرك بشكل سلس ومُنظم، حيث يمكن للاعبين تبادل المراكز بسرعة. وفي أكاديمية الشباب، هناك تركيز كبير على القدرة التقنية، التي ينظر إليها على أنها شرط مُسبق لإجراء تغييرات داخلية. من الأسباب التي غالبًا ما يُستشهد بها لنجاح برشلونة هو الاستمرارية والالتزام الذي يتبع به برشلونة الفلسفة الحالية وهو التمرير والتحرك.

وكان غوارديولا النموذج الأولي للاعب خط الوسط المحوري. لاعبا خط الوسط الشهيرين تشافي وإنييستا هما اللذان حافظا عليها من بعده.

الجانب الآخر من فلسفة لاماسيا هو طابعها الوطني الكتالوني، وسياسة الأبواب المفتوحة في الفريق الأول، وأيضًا استغلال كثرة المواهب وقاعدة الممارسة الواسعة في إقليم كتالونيا.

 

أبناء كثر

منذ تحويلها لأكاديمية عصرية لتكوين ناشئي كرة القدم، لم تتوقف “لاماسيا” عن تخريج النجوم الصغيرة والمواهب الخارقة التي أصبحت فيما بعد ذات قيمة تسويقية عالية وصلت إلى مبالغ فلكية في سوق الإنتقالات.

كان أول المتخرجين منها في بداية الثمانينات غييرمو آمور الذي لعب في الفريق الأول للبارصا والمنتخب الإسباني، تلاه بيب غوارديولا وألبير فيرير وسيرجي بارجوان وعلى عمار نعيم ودي لابينيا والأخوان أوسكار وروجير.

ثم جاء الجيل الذهبي وفي طليعتهم الأسطورة ليونيل ميسي وفيكتور فالديس وتشافي هيرنانديز وأندريس إنيستا وبوجول وبيكي وفابريكاس وبيدرو بوسكيتس وألبا وبقية الأسماء التي اكتسحت العديد من الألقاب والبطولات والجوائز.

ثم الجيل الحالي مع بيدري وكابي وكوباسي ولامين يامال وكاصادو وفيران وبالدي والوجوه الفتية الأخرى التي تصنع مع المدرب الألماني هانزي فليك تحولا مهما في إعادة النادي إلى سكة الألقاب بعد تراجع كبير خلال السنوات الأخيرة.

إقرأ أيضا