سانتياغو بيرنابيو.. رئيس ريال مدريد الذي حارب ضمن فيلقٍ لمغاربة فرانكو

ملعب سانتياغو بيرنابيو الذي يعرفه الجميع معقلا أسطوريا لنادي ريال مدريد، الذي احتضن مئات المباريات الحاسمة، وتوج داخله الفريق الملكي بالعديد من الألقاب والبطولات، كما سبق أن احتضن الكثير من مباريات المنتخب الإسباني إضافة إلى نهائي مونديال 1982 الذي فازت فيه إيطاليا على ألمانيا الغربية في مباراة دخلت تاريخ كرة القدم العالمية.

لكن من هو هذا الشخص الذي سمي ملعب ريال مدريد بإسمه وصار يتردد على كل الألسن طوال عقود من الزمن ولا يزال؟..

غالبية متتبعي كرة القدم يعرفون أنه الرئيس التاريخي للنادي الملكي، ومعه حقق أزهى مراحله على مستوى الألقاب والبطولات في فترة امتدت لسنوات طويلة من 1943 إلى سنة 1978، وهو الأب الروحي للكثير من التحولات التي شهدها النادي والتي كانت الأساس الذي امتد بعد وفاته للأجيال اللاحقة، ليصبح اليوم أنجح مؤسسة رياضية على المستوى العالمي.

لكن جوانب خفية وغير معروفة من حياة هذا الرجل الذي لازال يتداول اسمه جميع جمهور ومتتبعي كرة القدم حتى اليوم، لم تسلط عليها الأضواء وبقيت حبيسة أسرار مرحلة أربعة عقود من العهد الديكتاتوري الإسباني.

مسقط الرأس.. ألباسيتي

ولد سانتياغو بيرنابيو دي ييستي في بلدة ألمانسا بإقليم الباسيتي الإسباني عام 1895، وانتقل مع عائلته إلى العاصمة مدريد في سن الخامسة، وبعد أقل من عقد من ذلك التحق بنادي ريال مدريد لكرة القدم لاعبا في قطاع الشباب كما كان معروفًا في ذلك الوقت.

ولد سانتياغو بيرنابيو دي ييستي في بلدة ألمانسا بإقليم الباسيتي الإسباني عام 1895، وانتقل مع عائلته إلى العاصمة مدريد في سن الخامسة، ومنذ طفولته كان مشجعا متحمسا يصطحبه أبوه لمشاهدة المباريات. وقبل أن يلتحق بمدرسة الكرة في النادي في سن الرابعة عشرة، كان يعمل جامع كرات في ملعب التدريب.

ومنذ ذلك الحين لم يغادر النادي، فكان مهاجم الفريق الأساسي منذ عام 1911 حتى 1927، أي قبل بدء منافسات الليغا الرسمية بعامين في 1929، ثم عمل مديرا للكرة حتى عام 1933، ثم شغل منصب مساعد المدرب حتى عام 1936.

زاوج سانتياغو بين لعب كرة القدم والدراسة حيث حصل على شهادة الإجازة في القانون من جامعة مدريد سنة 1918، وقرر بعدها التوقف عن مزاولة كرة القدم والعمل في النادي داخل العديد من المهام التدريبية والإدارية.

كما حصل بيرنابيو على شهادة مزاولة مهنة المحاماة، الشيء الذي مكنه من علاقات واسعة في مدريد وباقي الأقاليم الإسبانية.

سانتياغو الفرنكاوي

قبل الحرب الأهلية الإسبانية التي اندلعت سنة 1936، انضم سانتياغو بيرنابيو إلى أحد الأحزاب اليمينية مما شكّل خطرا يهدد بقاءه سالما في إسبانيا أثناء حكم الجمهورية الإسبانية قبل الحرب، مما أدى إلى فراره إلى فرنسا، ليستقر هناك حتى بدأت المعارك.

وعندها تجند في الجيش وانضم إلى الفيلق المغربي 150 الذي استقدمه الجنرال فرانسيسكو فرانكو من شمال المغرب، وأصبح واحدا من قادته، ومن المعروف أن فرانكو قد نال مساعدة أثناء الحرب من حليفيه، الإيطالي الفاشي والألماني النازي، إذ شارك الطيران الإيطالي في قصف بعض المدن المتمردة.

ويُقال إن سانتياغو برنابيو عمل أيضا تحت إمرة أحد الجنرالات النازيين أثناء تلك الحرب! وحصل على وسام للدور الذي لعبه أثناء محاولات دخول قوات الجيش لمدينة بييلسا، وكانت سمعته في هذه الفترة أنه الرجل الذي ينفذ الأوامر، أو “un hombre de orden” بالإسبانية.

العودة بعد الحرب

بعد أن وضعت الحرب الأهلية الإسبانية أوزارها وانتصرت قوات الوطنيين بزعامة الجنرال فرانسيسكو فرانكو، وسيطرتها على كل مناطق البلاد، عاد سانتياغو بيرنابيو إلى العاصمة مدريد ليواصل مهامه داخل النادي الملكي وبالضبط في منصب المدرب حتى سنة 1943، ليتم تعيينه كرئيس للنادي بشكل مؤقت بعد أزمة نشبت على خلفية مواجهة ريال مدريد وبرشلونة في كلاسيكو نفس السنة، والتي انتهت بفوز ريال مدريد ب 11-1 في إياب نصف نهائي كأس الجنرال، مما نتج عنه إعفاء رئيسي الناديين من منصبيهما، ليتولى برنابيو رئاسة الريال في 11 دجنبر من عام 1943 خلفاً لأنطونيو بيرالبا، ثم تزكيته من قبل أعضاء النادي كرئيس رسمي.

أساس اقتصادي للنادي

قامت فلسفته على أسس اقتصادية بحتة، بحيث قرر التوفر على أكبر ملعب لكرة القدم في القارة عبر توسيع ملعب شامارتين الذي سيحمل إسمه لاحقا، ووجه جهود فريقه للسيطرة على الكرة الأوروبية أكثر من اهتمامه بالمنافسات المحلية، وكان شديد الاهتمام بالتعاقد مع أفضل لاعبي العالم وأكثرهم شهرة من أجل جلب جماهير أكبر، وأدار مراحل عقب ذلك كان الغرض منها زيادة سعة الملعب حتى يستوعب الأعداد المتزايدة في المدرجات.

كما قام سانتياغو بإعادة هيكلة النادي إدارياً بما عرف لاحقاً بالهيكل التنظيمي للأندية المحترفة، حيث بات هناك فرق مستقلة في كل لعبة لها الجهاز التقني المسؤول عنها.

الغالاكتيكو وبداية النجاح

طموحات رئيس ريال مدريد سانتياغو بيرنابيو اللامنتهية جعلته يتعاقد مع مجموعة من أفضل لاعبي العالم (الغالاكتيكوس) في خمسينيات القرن الماضي، على رأسهم ألفريدو دي ستيفانو، ليكون أول فريق يضم لاعبين من عدة قارات حول العالم.

النادي ضم الأسطورة المجرية فرينتس بوشكاش وكارلوس سانتيانا وخوانيتو وغيرهم، وهي الكتيبة التي قادت الريال للهيمنة على دوري أبطال أوروبا في بداياتها الأولى في الفترة من 1956 إلى 1960، قبل أن يضيف اللقب السادس في 1966.

وعلى صعيد الدوري الإسباني، فقد حققه الريال في عهد سانتياغو برنابيو 16 مرة، وهو يمثل قرابة نصف عدد ألقاب “الليغا” التي حققها الفريق على مدار تاريخه، بالإضافة لـ6 ألقاب أخرى لكأس الملك.

فرانكو يستغل الريال

تحقق لفرانكو ما أراد وكان الجالاكتيكوس الأول للريال على موعد مع النجاح عندما حسم الألقاب الأوروبية الخمسة الأولى في التاريخ بشكل متتالٍ. وبذلك، أصبحت صورة إسبانيا في أوروبا هي الفريق الكروي الذي يجتاح ملاعب الخصوم.

وعقب ذلك نجح فرانكو في استخدام منتخب إسبانيا في خطته، ففي أمم أوروبا 1964 تواجه المنتخبان السوفياتي والإسباني في النهائي، والهزيمة حينها لم تكن خيارا يمكن أن يقبله فرانكو تحت أي ظرف. وبالفعل، استطاع المنتخب الإسباني أن يحقق لقبه الأول والوحيد في القرن العشرين، ويلحق الهزيمة بالسوفيات.

إنجازات ريال مدريد الأوربية نجحت أيضا في تشتيت الانتباه عن فساد حكومة الدكتاتور فرانكو وقوانينها الظالمة، كما أنه استغل البث التلفزيوني في وصول هذه الحالة إلى أكبر عدد ممكن من الشعب الإسباني.

ونجح الجنرال الذي قبض على إسبانيا بالحديد والنار طيلة أربعين سنة في الاستفادة من نجاح الريال دوليا، فكان اجتياح الميرينغي لألقاب القارة سببا في عودة العلاقات مع المحيط الأوروبي، خاصة وأن فرانكو قد أوجد لنفسه مكانا في الخطة الأميركية لمواجهة المد الشيوعيّ السوفياتي في أوروبا!

تخليد إسم الرئيس

وفي عام 1955، وافقت الجمعية العمومية لنادي ريال مدريد على إطلاق اسم سانتياغو برنابيو على اسم الملعب الخاص بالنادي الملكي اعترافا بالخدمات الكبيرة التي أسداها للنادي، ولدوره الكبير طيلة 35 سنة من فترة رئاسته في الحصول على عدد كبير من الألقاب والكؤوس التي دخلت خزانته.

الملعب كان قد تم افتتاحه لأول مرة عام 1947 تحت اسم شامارتين، قبل أن يتم تغيير الإسم بعد 8 سنوات، إلى سانتياغو برنابيو الذي بقي حتى الآن اسما لمعقل النادي الملكي.

وعاش سانتياغو برنابيو 25 سنة من حياته وملعب النادي الذي يرأسه في إسمه حتى وفاته عام 1978، والتي جاءت قبل أيام من انطلاق بطولة كأس العالم بالأرجنتين.

وبعد تلك الوفاة، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم الحداد 3 أيام، ووقف اللاعبون دقيقة حدادا على روح الفقيد في جميع مباريات المونديال.

إقرأ أيضا